بـــــــــــســــــــم الله الرحمن الرحيم
************************************
آداب الدعاء-ادب الدعاء كما وصانا رسول الله صل لله عليه وسلم
أمرنا الله عز وجل بالدعاء ووعدنا بالإجابة ،
ثم عقب بقوله ـ عز وجل ـ :
{ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }
(غافر :60)
ولما كان الداعي يناجي ربه ـ ملك الملوك ، المعطي المانع ، الرحمن الرحيم { غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ }(غافر :3 ) ـ كان لزاما عليه أن يتأدب بآداب ليكون دعاؤه أقرب للقبول ، فبحسن الأدب يُلبَّى الطلب ، وبتتبع أقوال وهدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يظهر لنا الكثير من آداب الدعاء ، ومنها :
الوضوء :
عن أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ قال : ( دعا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بماء فتوضأ به ثم رفع يديه فقال : اللهم اغفر لعبيد أبي عامر ، ورأيت بياض إبطيه فقال : اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس )(البخاري) . قال الحافظ : " يستفاد من الحديث استحباب التطهر لإرادة الدعاء " .
استقبال القبلة :
ورد في استقبال القبلة في الدعاء من فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحاديث كثيرة منها : عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال : ( لما كان يوم بدر نظر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا ، فاستقبل رسول الله القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه يقول : اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم آت ما وعدتني .. )(البخاري) .
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : ( جاء الطفيل بن عمرو الدوسي إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : إن دوسا قد عصت وأبت فادع الله عليهم ، فاستقبل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ القبلة ورفع يديه فقال : الناس هلكوا ، فقال : اللهم اهد دوسا وائت بهم ، اللهم اهد دوسا وائت بهم )(أحمد) .
وقد ورد من فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما يدل على جواز عدم التوجه إلى القبلة في الدعاء ، ولهذا قال القرطبي : " .. والدعاء حسن كيفما تيسر وهو المطلوب من الإنسان لإظهار وضع الفقر والحاجة إلى الله ـ عز وجل ـ ، والتذلل له والخضوع ، فإن شاء استقبل القبلة ورفع يديه فحسن ، وإن شاء فلا ، فقد فعل ذلك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حسبما ورد في الأحاديث .." .
رفع اليدين :
عن سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ قال : ( إن ربكم حيي كريم ، يستحي من عبده أن يرفع إليه يديه فيردهما صفرا ) (ابن ماجه) ..
الخشوع والتذلل وخفض الصوت :
عن هشام بن عروة ـ رضي الله عنه ـ قال : أخبرني أبي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ في قوله عز وجل : { وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا }(الإسراء: من الآية110) ، نزلت في الدعاء )(النسائي) .
وعن أبى موسى ـ رضي الله عنه ـ قال : كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر ، فجعل الناس يجهرون بالتكبير ، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أيها الناس أربعوا على أنفسكم ، إنكم ليس تدعون أصمّ ولا غائبا ، إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم )(مسلم).
قال النووي : " ( اربعوا ) .. معناه : ارفقوا بأنفسكم واخفضوا أصواتكم ، فإن رفع الصوت إنما يفعله الإنسان لبعد من يخاطبه ليسمعه ، وأنتم تدعون الله تعالى وليس هو بأصم ولا غائب ، بل هو سميع قريب ، وهو معكم بالعلم والإحاطة .. ففيه الندب إلى خفض الصوت بالذكر إذا لم تدع حاجة إلى رفعه ، فإنه إذا خفضه كان أبلغ في توقيره وتعظيمه .." .
وهناك مواضع يجهر فيها بالدعاء : كالدعاء في خطبة الجمعة ، وفي الاستسقاء ، وفي القنوت وغير ذلك من المواضع التي يناسبها الجهر .
البدء بحمد الله والثناء عليه ، والصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
عن فضالة بن عبيد ـ رضي الله عنه ـ قال : ( سمع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجلا يدعو في الصلاة ولم يذكر الله ـ عز وجل ـ ولم يصل على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : عَجِل هذا ، ثم دعاه فقال له ولغيره : إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه ، ثم ليصلِّ على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ثم ليدع بعد بما شاء ..)(أحمد) .
وعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كنت أصلي ، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبو بكر وعمر معه ، فلما جلست بدأت بالثناء على الله ، ثم الصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ثم دعوت لنفسي ، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : سل تعطه ، سل تعطه )(الترمذي) .
ومن ثم كان عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ يقول : " إذا أراد أحدُكم أن يسألَ ربَّه فليبدأ بالمدحة والثناء على الله بما هو أهلُه ، ثم ليصلِّ على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ثم يدعو بعدُ فإنه أجدر أن ينجح " .
التوسل بأسماء الله وصفاته :
يقول القرطبي : " .. وأصل الوسيلة : هي التي يتوسل بها إلى تحصيل المطلوب .." .. وهي في الشرع : ما يُتقرب به إلى الله تعالى بما شرع من الواجبات والمستحبات ..
وكان من هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في دعائه التوسل بأسماء الله تعالى وصفاته ، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا كربه أمر قال : يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث )(الترمذي) .
وعن ربيعة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( ألظوا بياذا الجلال والإكرام )(أحمد) .. ومعنى ( ألِظُّوا ) : أي الزموا هذه الدعوة وأكثروا منها .
وبوب البخاري في صحيحه بابا سماه : ( باب السؤال بأسماء الله والاستعاذة بها ) ، وذكر فيه تسعة أحاديث كلها في التبرك بالله والسؤال به والاستعاذة .
الإلحاح في الدعاء وتكراره مع اليقين بالاستجابة :
عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال في حديثه الطويل عن دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على قريش : ( . وكان إذا دعا دعا ثلاثا ، وإذا سأل سأل ثلاثا .)(مسلم) .
قال ابن القيم : " ومن أنفع الأدوية الإلحاح في الدعاء ، وقد روى ابن ماجه في سننه من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( من لم يسأل الله يغضب عليه ) . ولذلك كان أبو الدرداء ـ رضي الله عنه ـ يقول : " من يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له ، ومن يكثر الدعاء يوشك أن يستجاب له " .
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه )(الترمذي) .
وعن أبى هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت ، اللهم ارحمني إن شئت ، ولكن ليعزم المسألة ، وليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه )(مسلم) .
يبدأ الداعي بنفسه في الدعاء :
إذا أراد الداعي أن يدعو لأحد فليبدأ بنفسه ثم يدعو لغيره ، فعن أبى بن كعب ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا دعا بدأ بنفسه )(أبو داود) .
لا يُضَّيِّق في دعائه :
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : ( قام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في صلاة وقمنا معه ، فقال أعرابي وهو في الصلاة : اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا ، فلما سلم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال للأعرابي : لقد حجرت واسعا ) ـ يريد رحمة الله ـ )(البخاري) ، فرحمة الله قد وسعت كل شيء ، قال ـ عز وجلـ : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ }(الأعراف: من الآية156) .
قال ابن حجر : " قال ابن بطال : أنكر ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الأعرابي لكونه بخل برحمة الله على خلقه ، وقد أثنى الله تعالى على المؤمنين بقوله: { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ }(الحشر: من الآية10) " .
عدم الاستعجال أو الدعاء بإثم أو قطيعة رحم :
عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لا تدعوا على أنفسكم ، ولا تدعوا على أولادكم ، ولا تدعوا على خدمكم ، ولا تدعوا على أموالكم ، لا توافقوا من الله تبارك وتعالى ساعة نيل فيها عطاء فيستجيب لكم )(أبو داود) .
وعن أبى هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال : ( لا يزال يُسْتجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل ، قيل يا رسول الله : ما الاستعجال ؟ ، قال : يقول قد دعوتُ وقد دعوت فلم أر يستجيب لي ، فيستحسر عند ذلك ويَدَع الدعاء )(مسلم) .
قال ابن بطال : " المعنى أنه يسأم فيترك الدعاء فيكون كالمآن بدعائه ، أو أنه أتى من الدعاء ما يستحق به الإجابة".
الدعاء في الرخاء :
من وصية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ : ( تعَّرَّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة )(أبو داود) .
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء )(الترمذي) .
قال ابن رجب : " وقال سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ : إذا كان الرجل دعا في السر فنزلت به ضراء فدعا الله ـ تعالى ـ قالت الملائكة : صوت معروف فشفعوا له ، وقال رجل لأبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ : أوصني ، فقال : اذكر الله في السراء يذكرك في الضراء ، فإن العبد إذا ذكر في السراء فنزلت به ضراء فدعا الله ـ عز وجل ـ قالت الملائكة : صوت معروف فشفعوا له " .
الدعاء بالمأثور :
لا أحسن مما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة ، فإن الأدعية القرآنية والأدعية النبوية أولى ما يُدْعى به ، لأنها شاملة للخير كله ، في أفضل العبارات وأجمعها ، ولأن الغلط يعرض في الأدعية التي يختارها الناس .
قال ابن تيمية : " .. وينبغي للخَلق أن يدعوا بالأدعية المشروعة التي جاء بها الكتاب والسنة ، فإنَّ ذلك لا ريب في فضله وحسنه ، وأنَّه الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسُن أولئك رفيقا " .
وإذا اشتمل الدعاء على هذه الآداب ولم تر أثراً للإجابة فاعلم أن الله صرف عنك من السوء ما هو أنفع لك ، أو ادَّخر لك في الآخرة ما تكون أحوج إليه ، فقد روى البخاري في الأدب المفرد
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ : أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :
( ما مِن مؤمن ينصب وجهه لله يسأله مسألة إلا أعطاه إياها : إما عجلها له في الدنيا ، وإما أخرها له في الآخرة ما لم يعجل يقول : قد دعوتُ و دعوت فلا أراه يستجاب لي ) .