الدعاء .. صيغته ، وشروطه ، واوقاته ، والمجابون

الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونشهد أن لا إله إلا الله ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله .. وبعــــــــد ؛
يقول الله تعالى في محكم كتابه الكريم : ( ولله الأسماءُ الحُسنى فادعوهُ بها وذروا الذين يلحدون في أسمائِه سيجزون ما كانوا يعملون ) الأعراف 180 ، ويقول الله تعالى : ( الله لاإلهَ إلاّ هو لهُ الأسماءُ الحُسنى ) طه 8 ، ويقول الله تعالى : ( أمّن يجيبُ المضطر إذا دعاهُ ويكشِف السُّوء ويجعلكم خلفاء الأرض ءَإِلهٌ مع الله قليلاً ما تذكّرون ) النمل 62 . ويقول المصطفى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – " الدعاء هو العبادة " أخرجه احمد والترمذي وابو داوُد ، ويقول – صلى الله عليه وسلم – " الدعاء مخ العبادة " أخرجه الترمذي والطبراني في الكبير والحديث حسن بغيره ، ويقول أيضاً : " العبادة .. الدعــــــاء "البخاري في الأدب المفرد وابو بكر الشافعي في الغيلانيات . فهذه نصوص قرآنية ونبوية تؤكد أهمية الدعاء وفضله ، ومكانته في العبادة ، فهو العبادة في الأساس لأن مبنى العبادة أصلا على الذل والخضوع والإفتقار الى الله ، وفي الدعاء يكون ذلك جليا متحققا من العبد بين يدي ربه ، وما من مسلم الا وهو يقصد ابواب السماء طارقا اياها ، طامعا بكرم مولاها رب العالمين جل في علاه ، لأنه المجيب لمن دعاء ، الكاشف للسوء ، المحقق لكل مرغوب ، الدافع الأذى ، الصارف عن عباده كل مرهوب ماداموا في سؤاله مخلصين ، ولرحمته وعفوه راجين ، لنيل رضاه من الطالبين ؛ وللدعاء شروط ينبغي ان تتوفر فيه كي يكون مجابا ، لعل من أهمها : _
الأول : - أن يكون خالصا لله تعالى وحده ، ولا يكون للعباد فيه نصيب ، كما قال تعالى ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ... ) غافر 60، وقال سبحانه ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم ... ) الأنفال 9 ، فتبين بذلك أنه إليه اللجأ وانه وحده المجيب القريب ، ولقد ذم الله تعالى في كتابه الذين يخلصون اليه الدعاء في نوازلهم ثم عندما يحقق لهم مبتغاهم يعودون الى شركهم به ، فقال تعالى ( فاذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم الى البر اذا هم يشركون ) العنكبوت 65 . وقال تعالى ( واذا غشيهم موج كالظلل دعوالله مخلصين له الدين فلما نجاهم الى البر فمنهم مقتصد وما يجحد باياتنا الا كل ختار كفور ) لقمان 32 . في هاتين الايتين وصف الله الدعاء بانه الدين " مخلصين له الدين " اي الدعاء وبين سبحانه ضلال اولئك الذين يقصدونه في نوازلهم ثم يعودون لما كانوا عليه من الضلال .
الثاني : - أن يفتتح الدعاء بتقديس الله عزوجل وتنزيهه سبحانه ، وهو الدعاء بالأسماء الحسنى كما أمر الله تعالى بذلك وكما أوصى بذلك رسوله – صلى الله عليه وسلم – قال تعالى ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) ، ورسول الله كان يفتتح كل دعاء يدعوه بأسماء الله تعالى والثناء عليه تبارك وتعالى كما ثبت عنه انه كان يدعو فيقول : " اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن ، .... " الى آخر الدعاء وهو دعاء جوف الليل ، أخرجه البخاري ومسلم . وكما علم اصحابه ان يدعوا الله باسمه الأعظم فقال لهم : " من قال في دعائه اللهم أنت الله لاإله إلا انت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد ، فقد دعى الله باسمه الأعظم الذي اذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى " وفي لفظ إسألوا الله باسمه الأعظم وذكر الحديث . أخرجه ابن حبان والترمذي وابن ماجه .

وحين مرّ بأحد اصحابه وكان جالس للتشهد في صلاته فسمعه المصطفى – صلى الله عليه وسلم – يقول " اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لاإله أنت المنان ، بديع السماوات والأرض ، ياذا الجلال والإكرام ، ياحي قيوم ، ... " قال له رسول الله " لقد دعوت الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به اجاب وإذا سئل به أعطى" . أخرجه أحمد والحاكم .
الثالث : - أن يتقدم طلب الحاجة من الله تعالى ، وضع العبد نفسه موضع الذل والإفتقار الى الله تعالى ، لأن حقيقة العبد بين يدي ربه ولأنها أحب أحوال العباد الى الله العلي الكبير الغني الحميد ، ففي الصحيحين " البخاري ومسلم " .. جاء ابو بكر الصديق الى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال علمني دعاءا ادعوه في صلاتي .. فقال له رسول الله : " قل : اللهم اني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب الا انت فاغفر لي مغفرة من عندك انك انت الغفور الرحيم " . وكذلك ما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم – في دعاء جوف الليل المتقدم شطر منه فإنه كان يقول فيه أيضا وهو دعاء طويل : " اللهم لك اسلمت وبك امنت وعليك توكلت واليك انبت وبك خاصمت واليك حاكمت فاغفر لي ماقدمت وما اخرت وما اسررت وما اعلنت انت المقدم وانت المؤخر لااله الا انت " . فقد جعل نفسه ذليلة مستسلمة خاضعة مجردة من كل حول وقوة وهذا هو تمام التسليم والخضوع والافتقار بين يدي الله يعلمنا اياه رسول الله ، وكما هو ثابت عنه في دعاء استفتاح الصلاة ، حيث يقول : " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والارض حنيفا وما انا من المشركين ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لاشريك له وبذلك امرت وانا من المسلمين ، اللهم انت الملك لااله الا انت انت ربي وانا عبدك ، ظلمــــــــت نفســــــــــي ، واعترفت بذنبــــــــي ، فاغفر لي ذنوبي جميعا فانه لايغفر الذنوب الا انت ... " اخرجه مسلم والترمذي وابو داوُد . وفي هذه الفقرة وهي الثالثة تم تضمين "الرابعة "وهي تقديم الإستغفار وطلب الرحمة ورجاؤها من الله قبل وضع الأمر النازل المطلوب من الله كشفه ، أو الأمر المراد من الله تحقيقه .. بين يدي الله .
الرابع : - تم تضمينه ما قبله !
الخامس : - طلب الحاجة ، التي لأجلها توجهت الى الله تعالى ، فإن كانت لتفريج هم ، او لتفيس كرب ، فعليك بالدعاء المأثور عن النبي – صلى الله عليه وسلم ، " اللهم اني اسألك بلا إله إلاالله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش الكريم ، لا إله إلا الله ربالسماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم " ثم ثم تطلب تفريج همك . أخرجه البخاري في صحيحه وفي الأدب المفرد ، وكذلك أخرجه مسلم في صحيحه . أو أن تدعوا بما علم النبي – صلى الله عليه وسلم – أصحابه " اللهم فارج الهم ، كاشف الغم ، مجيب دعوة المضطرين ، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، أنت ترحمني فارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك " أخرجه الحاكم والبزار وفيه ضعف إلا إنه مجرب معمول به موصى به من قبل أهل العلم . أو بدعاءرسول الله " اللهم ياحي يا قيوم برحمتك استغيث " . أخرجه الترمذي وهو حديث صحيح . وإن كانت الحاجة تحقيق أمنية مما يرضاه الله تعالى وجلب مرغوب لخير الدنيا والآخرة فعليك بالدعاء الذي كان يعلمه رسول الله لأصحابه " اللهم اغفر واهدني وارزقني وعافني وارحمني " اخرجه مسلم وابن ماجه . او الدعاء الثابت عنه " اللهم اني اسالك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم ، واعوذبك من الشر كله عاجله وآجله ماعلمت منه وما لم اعلم ، واسالك الجنة وماقرب اليها من قول او عمل ، واعوذ بك من النار وما قرب اليها من قول او عمل ، ..." اخرجه ابن ماجه في سننه والبخاري في الأدب المفرد .
السادس : - ان تكون مستيقننا بأن الله تعالى مجيب لك دعوتك وأن لاتعجل فتقول دعوت الله فلم يستجب لي لأن ذلك اعتراض على امر الله وحسن تدبيره لعباده فإن الله لا يختار لهم إلا مافيه صلاح أحوالهم في الدنيا والآخرة ؛ يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – " يستجاب لأحدكم مالم يعجل .. يقول : دعوت فلم يستجب لي " صحيح اخرجه احمد في مسنده وبعض اهل السنن. فاليقين بالاجابة امر واجب على العبد عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال " اني لا احمل هم الإجابة ولكني احمل هم الدعاء فإذا الهمت الدعاء فثم الإجابة " وان تنتظر النتائج فإما ان يصرف الله عنك امرا مرهوبا من قبلك ، ويؤخر لك المطلوب المحبوب لحكمة هو يعلمها ولا تعلمها انت مما هو غيبي لاتدركه ، وإما ان يعجل لك بمحبوبك ، واما ان يدخرها لك في الآخرة كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة . يقول الامام ابن الجوزي – رحمه الله – " فإياك إياك ان تستطيل زمان البلاء ، وتضجر من كثرة الدعاء ، فإنك مبتلى بالبلاء ، متعبِّدٌ بالدعاء ، ولا تيأس من روح الله وان طال البلاء " . صيد الخاطر . والمقصود في هذا الموقف الصبر وسؤال الله العافية من البلاء والتسليم لمراد الله الحق ، وان يجتهد ويلح في الطلب ولا يعجز لسانه عن ذكر الله تعالى .
السابع : - وهو ختم الدعاء عادة بالصلاة والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كما ورد في الأثر الصحيح : عن فضالة بن عبيد : أن رسول الله سمع رجلا يدعو في صلاته ، لم يحمد الله ، ولم يصل على النبي –صلى الله عليه وسلم – فقال رسول الله : " لقد عجل هذا " ثم دعاه فقال له : " اذا صلى احدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه ، ثم يصلي على النبي ثم ليدعوا بما شاء " . اخرجه الترمذي وابو داوُد .
والختم بالدعاء بالصلاة والسلام على رسول الله يستنبط من كتاب الله كما جاء في آخر سورة الصافات ، من قوله تعالى : ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين * ) الصافات 180 ، 181 ، 182 . وكذلك يكون الختم بتكرار الحمد والثناء على الله كما ذكر ذلك ربنا جل وعلا بقوله : ( وآخر دعواهم ان الحمد لله رب العالمين ) يونس 10 .
أما المواطن والأوقات التي يجاب فيها الدعاء فيمكن إيجازها بما أخرج أهل عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حيث أخرج البيهقي وغيره منهم ابن حبان عنه – صلى الله عليه وسلم – " تفتح ابواب السماء ويستجاب الدعاء : عند التقاء الصفوف ، وعند إقامة الصلاة ، وعند نزول الغيث ، وعند رؤية الكعبة " . والدعاء بين الأذان والإقامة لايرد ، كما ثبت بالحديث الصحيح ، وورد دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب ، في حديث آخر ، وورد أيضا عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – " ثلاث دعوات مستجابات : دعوة المظلوم ، ودعوة الوالد لولده ، والمسافر " وورد في بعض الفاظ الحديث ذكر " الصائم " حتى يفطر وحين يفطر ، و" الحاج " مادام في مناسكه ، وكل ماروينا بحمد الله تعالى هو من الصحيح او الحسن وليس فيه من الضعيف المقدوح به شيء إلا ما كان ضعيفا بذاته حسنا بغيره وهذه نعمة من الله والله ولي التوفيق . بقي أن تدرك أخي المسلم حفظك الله ووفق لما يرضيه ، أن أمة محمد المصطفى – صلى الله عليه وسلم – أمة مرحومة بإجابة دعائها في أي وقت من الأوقات لأن الله جعل لها الذكر دائرا مع تعاقب الليل والنهار ، كما قال تعالى ( فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون * وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون ) الروم 17-18 . تقبل الله منا ومنكم وهدانا وإياكم الى صراطه المستقيم ، آمين . وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ